الأربعاء، 11 يناير 2012

تسامحاً مع .. التاريخ والجسد والثورة ..!



تسامحاً مع التاريخ
.. مؤخرا .. إكتشفت أن كتاباتى إنحصرت فى الدعوة للنزول الميادين وذكر جرائم المجلس العسكرى .. قلقت فذهبت لأوراقى فتبينت أنها حقيقة مؤلمة "يسقط ، ثورة ، مقاومة ، عسكر " لم أكتب نصا أدبيا طوال هذا العام ، حتى أن الكثيرون من أصدقائى الجدد لا يعرفون بأنى كاتب من الأساس قبل أى شئ أخر أهتم به وهو ما يروق لى ويشبع غرورى بأننى أستطيع التعبير عنه .. والكتابة فى حياتى شئ جوهرى غير مقبول سلبه منى مادمت حيا .. 
_ هما البهايم دول ميعرفوش أنى كاتب ؟
_ لاء منت مبتكتبش!
_ أحا وده مبرر يعنى ؟
_ طب نعمل إيه ؟
_ أنا اللى بسألك يا حيوان 
_ نكتب ورقة ونعلقها على البروفايل "أنا كاتب يا بهايم" ؟
_ هيعملو مش شايفنها 
_ ليه ؟
_ لأنهم يقصدو أنهم يتجاهلو اللى بكتبه 
_ ممم ، طب ما تجرب تكتب ؟
_ لاء طبعا أنا هدلل على نفسى ؟
_ طب هما كارهينك ليه ؟
_ هاهاها ، عشان أنا كاتب يا حمار 
_ طب أنت سايبهم ليه عندك ؟
_ طبيعى يبقى ليا أعداء النجاح 
_ ليه ؟
_ عشان أنا كاتب يا حمار
_ طب نعمل إيه ؟ تحط صورتك وأنت بتكتب ؟
_ أسلوب رخيص
_ طب نحطها وأنت بتقرأ ؟ 
_ أرخص 
_ طب نعمل إيه ؟
_ علق الورقة دى على البروفايل .. " يابهايم ؟ أنتو فاهمنى كويس "
كان ذلك بعد أيام من مشاهدة الجزء الأول من روايتى "المُلحدون" تستخدمه "أم محمد" فى سد ماسورة الحوض الممزقة فى المطبخ .. الحق أنها لم تفعل ذلك الإ بعد أن ألقى بهم "دودى" إلى سلة المهملات بعد أن قرأ محتواها ولم يجد فيها شئ جديد بل وبنى وجهة نظره فى الجزئين المنتظرين فـ "لبس العيد ميتلبسش بعد التظغيط " مثلما قال حينما واجهته ، ( "دودى" يخالفنى الرأى حيث أننى كنت أحبذ الفطار يوم العيد قبل الخروج مع أصدقائى بلبس العيد ، لكنه هو وغيره من بنى جيله يرو أن أكل اللحمة والفتة فى الثامنة صباحا ماهو الإ عبث بحيث أن أزياء العيد هى الباعثة للبهجة فى النفس وليس الطعام الذى نظل "نلغ" فيه طوال الشهر) .. بالفعل هاهوالخطاب الدينى يسيطر على البرلمان بالزيف بإسم الدين وإستجاب لهم الشعب وشارك فى تزييفهم وصمتهم عن الحق ، فى الوقت الذى لم يصدق الشعب الخطاب الثورى ولو كان حقا
، شعوبنا تحكم بالدين .. ولو كان الحاكم مؤمنا والثائر ملحد لساندو الحاكم .. فما الجديد إذن فيها ؟ أقنعنى أخى تلك المرة وإبتسمت له فى رفق .. تسامحاً مع التاريخ

تسامحاً مع الجسد 


_ أيوة يا بحار ؟ أنت لسة نايم ؟
_ فى إيه يا مساكن ؟
_ الداخلية فضت إعتصام مصابين الثورة 
_ أيوة محنا قلنا يا جدعان اللى هناك تحريات أصلا وهيسلمونا 
_ لاء دول دخلو ضربو المصابين وكسرو رجل مصاب
_ وإيه الدنيا دلوقتى ؟
_ مفيش بس أنا بقول ننزل ناخد حق الناس عشان يعرفو أن المصابين وأبطالنا خط أحمر وأن اللى هيغلط فيهم هيتعلم الأدب مش هنسكت 
_ ممم ، طيب أنا هقوم أكتب للناس على النت و ألبس وأنزل 
اليوم الثالث لموجة محمد محمود ، قبل أن يخمدها علوق السياسة ومرشحى الرئاسة وعدم إعترافهم بالشارع قبل أن يخذل الميدان بقية ميادين الجمهورية .. ياللصدمة!
.. المعركة على أشدها ، عائد من زيارة حرارة للميدان .. على هذه الأرض ترتكب جرائم الحرب .. يحتشد بالميدان مئات الآلآف وبشوارع محمد محمود والفلكى ما لا يزيد عن عُشرهم .. أنضم للرفاق ها هم يستعدون للهجمة الثالثة فى ليلتهم .. الخميرة تزين ملامحهم الباسمة .. ما من مرة ذهبنا إلى خط النار الإ والبسمة تعتلى جبينهم .. يا لحظ الأوغاد العثر .. نتسابق فى مسيرة للمعركة ويفتح الطريق لنا بل ويتراجع البعض وكأننا مدد السماء .. تنجح الهجمة بتميز التى أستغرقت نصف ساعة ونعود لنلتقط الأنفاس .. شئ ما فقدته على خط النار .. على أثرة لم أستطع الدخول معهم مجددا حاولت وكدت ألفظ أنفاسى الأخيرة .. لم أستطع الركض ولا إحتمال الغاز .. أعاند فتبوء محاولتى بالفشل .. ويمر يوم والأخر وأنا أقف فى موقف أكرهه .. أحمل زجاجة الخميرة لأنقذ الأبطال وه عائدون .. ياللعار! مكانى هناك على وسط النيران المتوهجة ، إرهاب وهزيمة الأوغاد .. هناك فقط الضحكة وسط الدموع الثائرة .. هنا القلق سيد الموقف .. الضحكة لقيطة ، الدموع حزينة منتظرة المصابين والشهداء .. يالها من مقابر ثورية .. الموت أهون حقا من القلق .. خلاياك تتآكل كم من أصدقاءك سيصاب ؟ من منهم سيموت ؟ لو كنت بالأمام لإستطعت إنقاذهم وتحذيرهم .. هناك فقط الثورة ، كيف تتحمل نفسى كل هذا البؤس ؟ رفضت أن يكون دورى بهذا السفه وعدت لبيتى .. خلعت ملابسى تماما .. وقفت أمام المرآة .. فجأة تبين لى بأننى سمين جدا أحمل من الشحوم ما يقارب المئتين الإ عقود قليلة .. ما هذا الصدر ؟ ما هذا الفخذ ؟ من أين تلك المؤخرة ؟ أهذا هو جسدى ؟ هذا جسد ثائر ؟ أى كاريزما تلك يتحدثون عنها فى وجود تلك الشحوم ؟ أبكى .. أتذكر يوم 25 و28 يناير الماضى كيف كنت رشيقا خفيفا ، أحمل العصا وأركض بها خلف الأوغاد .. كيف كنت أركلهم أمامى بلا خوف .. الفر حينها كان له معنى ودليل .. اليوم إذا ركلتهم لن أفر منهم لا محالة .. ياللتعاسة هل تحولت لمُنظر ؟ ما أؤمن به لن أستطيع تنفيذه ؟ ماذا سيقول عنى مريدينى ؟ أصبحت بوق سمين قذر يدعو لما لا يفعله ؟ بل وبماذا سأقول أنا عن 
فسحقا للجميع فى ظل عجزى أمام نفسى!
_ ألو ، مالك يابنى ؟
_ مبضون ، حاسس أنى عاجز 
_ إزاى يعنى ؟
_ مش قادر أجرى ولا قادر أستحمل الغاز ، حاسس أنى بجر فى رمل 
_ وأنت لسة مكتشف أنك تخنت ؟
_ أيوة ، عشان طول الوقت مفيش معارك .. من يوم 28 محصلش غير 28 يونيو ودى كنت كويس فيها برضه ، لكن دلوقتى لاء 
_ طب وفى محمد محمود ؟
_ أول يومين كنت موجود ، بعد كدة مقدرتش
_ وأول يومين دول كنت خاسس فيهم ؟
_ لاء طبعا بس كان العدد قليل فكان لازم أبقى موجود ، إحنا الضهر كنا 15 واحد على ناصية هارديز 
_ عادى ممكن تكون شميت غاز كتير وتعبت حصلت لناس كتير ومدام فى ناس تسد خلاص مزعل نفسك ليه ؟
_ طب مهو يومها شمينا غاز برضه وكنت أول واحد كمان ، إشمعنا دلوقتى 
_ عادى ممكن يكونو غيرو نوع الغاز وأنت جسمك مبقاش قادر يتحمله
_ أنت واخد الموضوع ببساطة ليه ؟
_ أنت اللى مأفور ليه ؟ لا يكلف الله نفسا الإ وسعها يا سيدى 
_ وده مش وسعها ، وسعها أنها تكون فى الصفوف الأمامية ،وطول منا مش قادر أشارك مش هدعو حد لأنى كدة هأبقى بنظر وخلاص  
_ أنت مش بتقول الفكرة مش بتموت ؟
_ أه 
_ طيب يبقى الأفكار لازم تنشرها حتى لو جسدك مش مساعدك لتنفيذها
_ يعنى أنا مت يا عرص ؟
_ أنت ليه متخيل أننا كائنات فضائية ؟
_ إزاى يعنى ؟
_ أننا بنى آدميين بنتعب وبنعجز وبنمرض وبنموت ده جنب إلى جنب الحياة والإنتصار والتحدى والإقدام 
_ مش عارف بس أنا فعلا بقيت متطرف أوى فى أفعالى ، ومبقبلش بالغلط سواء منى أو غيرى 
_ يعنى هما الناس اللى واقفة بره المعركة فى الميدان دول غلطانين ؟
_ دول ولاد وسخة ، الناس بتموت جوة وهما بيغنو برة 
_ أفرض مش قادرين ؟ أنهى الأفضل أنهم يروحو والعدد يقل ؟ والا الحشد هيفرق ومرة فى مرة هيتشعو يشاركو أو هيفضلو عدد موجود يدعم أفعالك ؟
_ أنا ضد التخاذل بكل صوره 
_ ده التخاذل ، لكن اللى أنت وهما فيه ده إسمه عجز ، حربنا مع ولاد الوسخة مش لازم تأثر على علاقتنا مع أبناء الصف الواحد .. 
_ بس أنا مش قادر أتخيل نفسى كدة ، أنا لازم أجيب بإيدى حق اللى ماتو وأتصابو 
_ أعتبر نفسك مصاب من مصابى الثورة ومش قادر تشارك 
_ أحا مصاب بالسمنة ؟
_ أيا كانت الإصابة ، لازم تتسامح مع ضعفك وضعف اللى حواليك .. لازم تتقبله علشان تعرف تكمل ، أنت مش خارق .. وبرغم ضعفك ده فأنت قادر تنتصر بتأييد الفكرة ونشرها ، أنت مش بتحارب عدو قوى ، أنت بتحارب عدو أهبل بقوة غاشمة ، نشر الأفكار بيزود الناس وهيحقق الإنتصار .. الناس هى اللى هتنتصر مش أنا وأنت لوحدنا ، وبعدين هو أنت شاركت فى الثورة وأنت تخين ؟
_ لاء 
_ طب يبقى التخن ده من مكتسبات الثورة ولازم تتعامل معاه بتسامح زى أى مصاب مهو متسامح مع إصابته  
_ ممممم ، يعنى أنا كدة مش مُنظر ؟ أنا مصاب ثورة ؟
_ أه مصاب من مصابين الثورة 
_ طيب أعتقد أنى كدة هأقدر أتعامل بأريحية ، وهقدر أتكلم أدام نفسى .. أنا مصاب ثورة .. حلوة فعلا!

تسامحاً مع الثورة 
_ ألو ، أزيك يا حبيبتى ؟
_ هلا حبيبى ، كيفك ؟
_ منيح يا روحى ، سورى حبيبتى أنا عارف أنى مقصر جدا بس والله مش بمزاجى ، اللى بشوفه طول الفترة دى محدش يتحمله من موت أصدقاء وإصابة أصدقاء ومناظر أهاليهم اللى تقطع القلب والحالة اللى بنوصلها ، والإنسانية اللى بتموت فينا كل لحظة مع كل واحد بيموت 
_ لا تشغل بالك حبيبى ، أنا مو زعلانة .. أنا مقدرة موقفك 
_ أنا عارف أنك كنت منتظرة سفرى ليكى فى ديسمبر بس للإسف كل حاجة باظت ، أنا عارف أنى مهما حكتلك مش هتتخيلى اللى عندى لأن فعلا اللى بتشوفيه فى التى فى ميجيش عُشر اللى فى الواقع 
_ حبيبى ، أنا مو زعلانة .. الله يوفقكم وتهزمو هالقتلة 
_ على فكرة وحشتينى جدا ، يا حلا عمرى أنتى
_ يا سلام ، هالحكى بتضحك عليا بيه ؟ أحكيلى كام واحدة حكتلها هيك ؟
_ أنت بتغيرى عليا وسط الظروف دى ؟ هو فى حد ممكن يفكر يخون حبيبته فى المعارك دى كلها ؟
_ أه ، أنت هاهاها
_ بالعكس أنا كل ما ببعد عنك بحنلك وأبقى عايز ألجأ ألك عشان ارتاح 
_ عنجد هالحكى ؟ 
_ والله عنجد عنجد الكمان 
_ .................................
_ ..........................
.. قليلة .. تلك اللحظات التى تمدك بأكسير الحياة على أرض الموت ، فلحظات الغزل تلك تعيننى أسبوعا أخر للحياة .. إبتسامة حرارة التى تناقشنا حولها وأتفقنا على أنها وليدة الإصابة تمدنى وتمد غيرى بالأمل .. حمل خالد علاء عبد الفتاح أعطانى الأمل لسنوات قادمة .. فها أنا أحمل طفل الحرية الذى أصر والده وأمه نعيمه بالحرية .. الإ أن الأيام كتبت عليه الولادة بعيدا عنه .. دعكم من هذا ، اليوم خالد فى حضن علاء والأخير يتدرب على الأبوة .. أمر مبهج رغم كل شئ .. وبرغم بعدى عن القراءة والسينما فى هذا العام .. فهو نفس العام الذى تابعت فيه نائل الطوخى وعمرو عزت وأحمد ناجى .. ورغم قلة الأغنيات اللى سمعتها فيه .. فأيضا سمعت إسكندريلا وسامية جاهين وفريقها الجميل وفيروز كراوية ودنيا مسعود فضلا عن مريم من العام السابق ومحمد محسن وغيرهم .. ورغم أننى لم أقرأ سوى عشرة قصائد فيه ..  فيكفينى متابعة محمود عزت وأمين حداد ومصطفى إبراهيم ومينا ناجى .. مازالت الحالة الثورية تعطنى الأفضل رغم كل شئ .. مازلت أتذكر ومضات حديث الشهداء معى قبل رحيلهم .. مازلت أتذكر ضحكاتهم .. جميعهم أحبو الحياة .. جميعهم إبتسامتهم كانت ساحرة  .. مازلت أؤمن بأننا نتعلم سويا وبأن الإهتمام بفئة معينة من الشهداء والمصابين ما هو الإ نتاج عقود التعريص التى مرت علينا ونتاجها أن يهتم بهم من يهتم بالإنسان فقط .. وبأن إخلاصنا لهم جميعا واحد .. أننى لا أحمل الثورة رحيل الغرباء .. لا أحملها إنسانيتى المسلوبة وفقدان الإحساس بالحزن تماما منذ وفاة مينا دانيال وشهداء ماسبيرو .. لم أبكى من يومها الإ على وفاة أحمد سرور نتيجة لإحساسى بالتفريط فى الدم  .. مازلت أجرى الإحلال والتبديل بين مشاعر اليأس والهزيمة وأبدلها بمشاعر الأمل .. لا أحملها فقدانى لأصدقائى .. ولا أحملها إفتقاد أمهاتهم وأحبابهم وأصدقاءهم لهم .. لا أحمل الثورة فقدان صديقى لعينيه .. لا أحملها ساعات العتمة الكئيبة التى لا تنقضى .. لا أحملها بحثه عن رفيق فى بيته .. لا أحملها نومه المبكر لأن وجوده بالخارج مرتبط بوجود شخص أخر معه .. لا أحملها بكاء أمه يوميا على نظر إبنها وحبيبها .. فرغم كل ذلك ها هو 
  • مازال يضحك ويبتسم ويشارك ويهدد .. أننى أتسامح مع الثورة رغم كل شئ .. فكل ما حدث وكل ما سُلب منى ومن الأخرين هو نتاج حكم العسكر .. وكل أخطاءنا المقصودة أو غير المقصودة هى نتاج حكم العسكر .. ثورتنا من الأساس نتاج حكم العسكر .. سأتسامح مع كل ما صار وكل ما فقدته رفيق أو إحساس .. فقط لتستمر ثورتنا .. فقط لأننا فى البداية .. فقط لأن الأمل وحده يرعى الفكرة .. لأن الحقيقة الواحدة أن الأيام تذهب دون تصريح أو ختم الدولة .. ستذهب أيامهم وتأتى أيامنا لا محالة .. فإذا كان أبناء الوسخة لا يموتون .. فلا  أمل لهم فى الهروب من الأيام .. وليبقى التسامح حياةً وموتً 
  • بينــي فــي الحــبِّ وبينـكَ مـا
  • لا يقــــــدرُ واشٍ يُفسِـــــدُهُ
  • مــا بــالُ العــازل يفتــحُ لـي 
  • بــــابَ الســـلوانِ وأوصِـــدُهُ 
  • ويقـــولُ تكـــادُ تُجَـــنُّ بــهِ 
  • . فــــأقولُ وأُوشـــكُ 
  • أعْبـــدُهُ